فصل: قال السمين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

قوله: {وَلَمْ يَجْعَل}: في هذه الجملةِ أوجهٌ، أحدُها: أنَّها معطوفةٌ على الصلةِ قبلَها. والثاني: أنها اعتراضيةٌ بين الحالِ وهي {قَيِّمًا} وبين صاحبِها وهو {الكتاب} والثالث: أنَّها حالٌ من {الكتابَ}، ويترتَّبُ على الأوجهِ القولُ في {قَيِّمًا}.
قوله: {قَيِّمًا}: فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّه حالٌ من {الكتاب}. والجملةُ مِنْ قوله: {ولم يَجْعَلْ} اعتراضٌ بينهما. وقد مَنَع الزمخشريُّ ذلك فقال: فإنْ قُلْتَ: بم انتصَب {قَيِّمًا}؟ قلت: الأحسنُ أن ينتصِبَ بمضمرٍ، ولم يُجْعَلْ حالًا من {الكتاب} لأنَّ قوله: {ولم يَجْعَلْ} معطوفٌ على {أَنْزَلَ} فهو داخلٌ في حَيِّزِ الصلةِ، فجاعِلُه حالًا فاصِلٌ بين الحالِ وذي الحالِ ببعضِ الصلةِ. وكذلك قال أبو البقاء. وجوابُ هذا ما تقدَّمَ مِنْ أَنَّ الجملةَ اعتراضٌ لا معطوفةٌ على الصلةِِ.
الثاني: أنَّه حالٌ مِنَ الهاءِ في {له}. قال أبو البقاء: والحالُ موكِّدةٌ. وقيل: منتقلةٌ. قلت: القولُ بالانتقالِ لا يَصِحُّ.
الثالث: أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ، تقديرُه: جَعَلَهُ قيِّمًا. قال الزمخشريُّ: تقديرُه: ولم يَجْعَلْ له عِوَجًا، جعله قيمًا، لأنه إذا نفى عنه العِوَج فقد أثبتَ له الاستقامةَ. قال: فإنْ قلتَ: ما فائدة الجمعِ بين نَفْيِ العِوَجِ وإثباتِ الاستقامةِ وفي أحدِهما غِنَىً عن الآخر؟. قلت: فائدتُه التأكيدُ فَرُبَّ مستقيمٍ مشهودٌ له بالاستقامةِ، ولا يَخْلو مِنْ أدنى عِوَجٍ عند السَّبْرِ والتصفُّح.
الرابع: أنَّه حالٌ ثانيةٌ، والجملةُ المنفيَّةُ قبلَه حالٌ أيضًا، وتعدُّدُ الحالِ لذي حالٍ واحدٍ جائزٌ. والتقديرُ: أنزلَه غيرَ جاعلٍ له عِوجًا قيِّمًا.
الخامس: أنه حالٌ أيضًا، ولكنه بدلٌ من الجملةِ قبلَه لأنَّها حال، وإبدالُ المفردِ من الجملةِ إذا كانت بتقدير مفردٍ جائزٌ. والتقديرُ: وهذا كنا أُبْدِلَتِ الجملةُ من المفردِ في قولهم: عَرَفْتُ زيدًا أبو مَنْ هو.
والضميرُ في {له} فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه للكتاب، وعليه التخاريجُ المتقدمةُ. والثاني: أنَّه يعود على {عبدِه}، وليس بواضحٍ.
وقرأ العامَّةُ بتشديد الياء. وأبانُ بنُ تَغْلبَ بفتحِها خفيفةً. وقد تَقَدَّم القولُ فيها.
ووقف حفصٌ على تنوينِ {عِوَجًا} يُبْدله ألفًا، ويسكت سكتةً لطيفةً من غير قَطْع نَفَسٍ، إشْعارًا بأنَّ {قَيِّمًا} ليس متصلًا ب {عِوَجًا}، وإنما هو مِنْ صفةِ الكتاب. وغيرُه لم يَعْبَأْ بهذا الوهمِ فلم يسكتْ اتِّكالًا على فَهْمِ المعنى.
قلت: قد يتأيَّد ما فعله حفصٌ بما في بعضِ مصاحفِ الصحابةِ: {ولم يَجْعَلْ له عِوَجًا لكنْ جَعَلَه قيَّمًا}. وبعض القراء يُطْلِقُ فيقول: يَقِف على {عِوَجا}، ولم يقولوا: يُبدل التنوين ألفًا، فيُحْتمل ذلك، وهو أقربُ لغرضِه فيما ذكرْتُ.
ورَأيْتُ الشيْخَ شهابَ الدين أبا شامة قد نقل هذا عن ابنِ غلبون وأبي علي الأهوازيِّ، أعني الإِطلاقَ. ثم قال: وفي ذلك نَظَرٌ- أي على إبدالِ التنوين ألفًا- فإنه لو وَقَفَ على التنوين لكان أَدَلَّ على غرضِه، وهو أنه واقفٌ بنيَّةِ الوصلِ. انتهى.
وقال الأهوازيُّ: ليس هو وَقْفًا مختارًا، لأنَّ في الكلامِ تقديمًا وتأخيرًا، معناه: أَنْزَلَ على عبدِه الكتاب قيِّمًا ولم يَجْعَلْ له عِوَجًا. قلت: دَعْوى التقديمِ والتأخيرِ وإنْ كان قاله به غيرُه، إلا أنها مَرْدودةٌ بأنَّها على خلافِ الأصل، وقد تقدَّم تحقيقُه.
وفَعَلَ حفص في مواضعَ من القرآن مثلَ فِعْلِهِ هنا مِنْ سكتةٍ لطيفةٍ نافيةٍ لوَهْمٍ مُخِلٍّ. فمنها: أَنَّه كان يقفُ على {مَرْقَدِنا}، ويَبْتدئ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن} [يس: 52]. قال: لئلا يُتَوَهَّمَ أنَّ هذا صفةٌ لـ: {مَرْقَدِنا} فالوقفُ يبيَِّن أنَّ كلامَ الكفارِ انقَضى، ثم ابتُدِئ بكلامِ غيرِهم. قيل: هم الملائكةُ. وقيل: هم المؤمنون. وسيأتي في يس ما يَقْتضي أنْ يكونَ {هذا} صفةً لـ: {مَرْقَدِنا} فيفوتُ ذلك.
ومنها: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [القيامة: 27]. كان يقف على نونِ {مَنْ} ويَبْتَدِئ {راقٍ} قال: لئلا يُتَوَهَّمَ أنَّها كلمةٌ واحدةٌ على فَعَّال اسمَ فاعلٍ للمبالغة مِنْ مَرَق يَمْرُق فهو مَرَّاق.
ومنها: {بَلْ رَانَ} [المطففين: 14] كان يقفُ على لام بل، ويَبْتدئ {رانَ} لِما تقدَّم.
قال المهدويُّ: وكان يَلْزَمُ حفصًا مثلُ ذلك، فيما شاكَلَ هذه المواضِعَ، وهو لا يَفعلُه، فلم يكن لقراءتِه وَجْهٌ من الاحتجاجِ إلا اتباعُ الأثَرِ في الرواية. قال أبو شامة أَوْلَى من هذه المواضعِ بمراعاةِ الوقفِ عليها: {ولا يَحْزُنْكَ قولُهم إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعًا} [يونس: 65]، الوقفُ على {قَوْلُهم} لئلا يُتَوَهَّم أنَّ ما بعده هو المقولُ، وكذا {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النار الذين يَحْمِلُونَ العرش} [غافر: 67] ينبغي أن يُعْتَنَى بالوقفِ على {النار} لئلا تُتَوَهَّم الصفةُ.
قلت: وَتَوَهُّمُ هذه الأشياءِ مِنْ أبعدِ البعيدِ. وقال أبو شامةَ أيضًا: ولو لَزِم الوقفُ على اللامِ والنونِ ليَظْهرا لَلَزِمَ ذلك في كلِّ مُدْغَمٍ. قلت: يعني في {بَلْ رَان} وفي {مَنْ راقٍ}.
قوله: {لِيُنْذِرَ} في هذه اللامِ وجهان، أحدُهما: أنَّها متعلقةٌ ب {قَيِّمًا} قاله الحوفيُّ. والثاني:-وهو الظاهرُ- أنها تتعلَّق ب {أَنْزَلَ}. وفاعلُ {لِيُنْذِرَ} يجوز أن يكونَ {الكتاب} وأن يكونَ الله، وأن يكون الرسول. و{أَنْذَرَ} يتعدَّى لاثنين: {إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} [النبأ: 40] {فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً} [فصلت: 13]. ومفعولُه الأولُ محذوفٌ، فقدَّره الزمخشريُّ: ليُنْذِرَ الذين كفروا، وغيره: ليُنْذِرَ العبادَ، أو لِيُنْذِرَكم، أو لِيُنْذِرَ العالَم. وتقديرُه أحسنُ لأنه مقابلٌ لقولِه: {وَيُبَشِّرَ المؤمنين}، وهو ضِدَّهم.
وكما حَذَفَ المُنْذِرُ وأَتَى بالمُنْذَرِ به هنا، حَذَفَ المُنْذَرَ به وأتى بالمُنْذَر في قوله: {وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ} [الكهف: 4] فَحَذَفَ الأولَ مِنَ الأولِ لدَلالةِ ما في الثاني عليه، وحذَفَ الثاني مِنَ الثاني لدلالةِ ما في الأوَّلِ عليه، وهو في غايةِ البلاغةِ، ولمَّا تتكررِ البِشارةُ ذَكَرَ مفعوليها فقال: {وَيُبَشِّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا}.
قوله: {مِّن لَّدُنْهُ} قرأ أبو بكر عن عاصم بسكون الدالِ مُشَمَّةً الضمَّ وكسرِ النونِ والهاءِ موصلةً بياءٍ، فيقرأ: {مِنْ لَدْنِهِيْ} والباقون يَضُمون الدالَ، ويسكِّنون النونَ ويَضُمُّون الهاءَ، وهم على قواعِدهم فيها: فابنُ كثيرٍ يَصِلها بواوٍ نحو: مِنْهو وعَنْهو، وغيرُه لا يَصِلُها بشيء.
ووَجهُ أبي بكرٍ: أنه سَكَّن الدالَ تخفيفًا كتسكين عين عَضُد والنونُ ساكنةٌ، فالتقى ساكنانِ فكسَرَ النونَ لالتقاءِ الساكنين، وكان حقُّه أن يكسِرَ الأولَ على القاعدةِ المعروفةِ إلا أنَّه يَلْزَمُ منه العَوْدُ إلى ما فَرَّ منه، وسيأتي لتحقيق هذا بيانٌ في قولِه: {وَيَخْشَ الله وَيَتَّقْهِ} [الآية: 52] في سورة النور، فهناك نتكلَّم فيه، ولمَّا كَسَر النونَ لِما ذكرْتُه لك كَسَرَ الهاءَ إتْباعًا على قاعدته ووَصَلَها بياء. وأَشَمَّ الدالَ إشارةً إلى أصلِها في الحركة.
والإِشمامُ هنا عبارةٌ عن ضَمِّ الشفتين مِنْ غير نطق، ولهذا يختصُّ به البصيرُ دونَ الأَعمى، هكذا قرَّره القراءُ وفيه نَظَرٌ، لأنَّ الإِشمامَ المشارَ إليه إنما يتحقَِّقُ عند الوقفِ على آخرِ الكلمةِ فلا يليق إلا بأنْ يكونَ إشارةً إلى حركةِ الحرفِ الأخيرِ المرفوعِ إذا وُقف عليه نحو: جاء الرجل، وهكذا ذكره النحويون. وأمَّا كونُه يُؤْتى به في وَسَط الكلمةِ فلا يُتَصَوَّرُ إلا أَنْ يقفَ المتكلمُ على ذلك الساكنِ ثم يَنْطِقَ بباقي الكلمة. وإذا جَرَّبْتَ نُطْقَك في هذا الحرفِ الكريم وَجَدْتَ الأمرَ كذلك، لا تَنْطِقُ بالدالِ ساكنةً مشيرًا إلى ضمِّها إلا حتى تقفَ عليها، ثم تأتي بباقي الكلمةِ.
فإن قلتَ: إنما اتي بالإِشارةِ إلى الضمةِ بعد فراغي من الكلمة بأَسْرِها. قيل لك: فاتَتِ الدلالةُ على تعيينِ ذلك الحرفِ المشارِ إلى حركتِه. ويمكن أَنْ يُجابَ عن هذا بأنه ليس في الكلمة ما يَصْلُح أَنْ يُشارَ إلى حركتِه إلا الدالُ. وقد تقدَّم في يوسف أن الإِشمامَ في {لاَ تَأْمَنَّا} [الآية: 11] إذا فسَّرْناه بالإِشارةِ إلى الضمة: منهم مَنْ يفعلُه قبل كمالِ الإِدغام، ومنهم مَنْ يفعلُه بعده، وهذا نظيرُه. وتقدَّم أنَّ الإِشمامَ يقع بإزاء معانٍ أربعةٍ تقدَّم تحقيقُها.
و{مِّن لَّدُنْهُ} متعلق ب {لِيُنْذِرَ}. ويجوز تعلُّقُه بمحذوفٍ نعتًا لـ: {بَأْسًا} ويجوز أَنْ يكونَ حالًا من الضميرِ في {شديدًا}. وقرئ: {ويُبَشِّرُ} بالرفعِ على الاستئنافِ. قوله: {مَّاكِثِينَ}: حالٌ: إمَّا من الضميرِ المجرورِ في {لهم}، أو المرفوعِ المستترِ فيه، أو مِنْ {أجرًا} لتخصُّصِه بالصفةِ، إلا أنَّ هذا لا يجيءُ إلا على رَأيِ الكوفيين: فإنهم لا يشترطون بروزَ الضميرِ في الصفةِ الجاريةِ على غير مَنْ هي له إذا أُمِنَ اللَّبْسُ، ولو كان حالًا منه عند البصريين لقال: ماكثين هم فيه. ويجوز على رَأْيِ الكوفيين أن يكونَ صفةً ثانيةً لـ: {أَجْرًا}. قال أبو البقاء: وقيل: هو صفةٌ لـ: {أَجْرًا}، والعائدُ: الهاءُ مِنْ {فيه}. ولم يَتَعَرَّضْ لبروزِ الضميرِ ولا لعدمِه بالنسبة إلى المذهبين. و{أبدًا} منصوبٌ على الظرفِ ب {ماكثين}. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في لدن ولدى:
لدُنْ ولَدَن بضم الدال وفتحها، ولَدْنَ كأَين، ولُدْنِ بضم اللام وكسر النون، ولَدُ بضم الدال: ولَدَى كعلى، ست لغات.
وهو ظرف زمان، وقيل: مكانىّ كعند، قال تعالى: {لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ}، وقال تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}. وسمع لَدَى بمعنى هل.
والعِلْم اللدنِّىّ: ما يحصل للعبد بغير واسطة، بل إِلهام من الله تعالى؛ كما حصل للخضِر عليه السلام بغير واسطة موسى.
قال تعالى: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا} إِذْ لم يكن نيلهما على يد بشر.
وكان من لدنْه أَخصّ وأَقرب ممَّا عنده، ولهذا قال: {رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} فالسلطان النصير الذي من لدنه سبحانه أَخصّ من الذي عنده وأَقرب.
وهو نَصْره الذي أَيَّده به، والذى عنده نصره بالمؤمنين، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}.
والعلم اللدنِّىّ ثمرة العبوديَّة والمتابعة والصدق مع الله والإِخلاص له، وبذل الجهد في تلقِّى من المشكاة النبوية المحمدية والكتاب العزيز المجيد، وكمال الانقياد له.
فيُفتح له من فهم الكتاب والسنَّة أَمر يُخَصّ به، كما قال علىٌّ وقد سئل: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس؟ فقال: لا والذى فَلَقَ الحبَّة، وبَرَأَ النَسَمة إِلاَّ فَهما يؤتيه الله عبدا في كتابه؛ فهذا هو العِلم اللدُنِّىّ الحقيقىّ. وأَمّا علم مَن أَعرض عن الكتاب والسنَّة ولم يتقيد بهما فهو من لدن النفس والشيطان.
فهو لدنىّ ولكن من لدن من؟.
وإِنما يعرف كون العلم لدنيّا روحانيا بموافقته بما جاءَ به الرسول صلَّى الله عليه وسلم عن ربّه عزّ وجل.
فالعلم اللَّدُنىّ نوعان: لدّنِّىٌّ رحمانىّ، ولدنىّ شيطانى كما تقدم في بصيرة العِلْم.
والله أَعلم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جل ذكره: بسم الله الرحمن الرحيم
ما سعدت القلوب إلا بسماع اسم الله ن وما استنارت الأسرار إلا بوجود الله، وما طربت الأرواح إلا بشهود جلال الله.
سماع بسم الله راحة القلوب وضياؤها، وشفاء الأرواح ودواؤها.
بسم الله قوت العارفين، بها يزول كدهم وعناؤهم، وبها استقلالهم وبقاؤهم.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)}.
إذ حُمِلَ {الحَمْدُ} هنا على معنى الشكر فإنزالُ الكتابِ من أَجَلِّ نِعَمِهِ، وكتابُ الحبيب لدى الحبيب أجلُّ مَوْقِع وأشرفُ محلِّ، وهو من كمال إنعامه عليه، وإن سمَّاه- عليه السلام- عَبْدَه فهو من جلائل نَعمه عليه لأَنَّ من سمَّاه عَبْدَهَ جَعَلَه من جملة خواصِّه.
وإذا حُمِلَ {الحَمْدُ} في هذه الآية على معنى المدح كان الأمر فيه بمعنى الثناء عليه- سبحانه، بأنَّه الملِكُ الذي له الأمرُ والنهيُ والحكمُ بما يريد، وأنه أعدَّ الأحكامَ التي في هذا الكتاب للعبيد، وسمَّاه صلى الله عليه وسلم عبدَه لمَّا كان فانيًا عن حظوظه، خالصًا لله بقيامه بحقوقه.
قوله جلّ ذكره: {قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ}.
{قَيِّمًا}: أي صانه عن التعارض والتناقض، فهو كتابٌ عزيزٌ من ربِّ عزيز.
والبأس الشديد: مُعَجَّلُه الفراق، ومؤجَّلُه الاحتراق.
ويقال هو البقاء عن الله تعالى، والابتلاء بغضب الله.
ومعنى الآية لينذرهم ببأس شديد.
قوله جلّ ذكره: {وَيُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}.
والعملُ الصالحُ ما يصلح للقبول، وهو ما يُؤدَّى على الوجه الذي أُمِرَ به. ويقال العمل الصالح ما كان بنعت الخلوص، وصاحبُه صادقٌ فيه.
ويقال هو الذي يستعجل عليه صاحبه حَظًَّا في الدنيا مِنْ أَخذ عِوَضٍ، أو قَبُولِ جاهٍ، أو انعقادِ رِياسة.. وما في هذا المعنى.
وحصلت البشارةُ بأَنَّ لهم أجرًا حسنًا، والأجرُ الحَسَنُ ما لا يجري مع صاحبه استقصاءُ في العمل.
ويقال الأجر الحَسَنُ ما يزيد على مقدار العمل.
ويقال الأجر الحَسَنُ ما لا يُذَكِّر صاحبَه تقصيرَه، ويستر عنه عيوبَ عمله.
{مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)}.
البشارة منه أَنَّ تلك النِّعم على الدوام غير منقطعة. اهـ.